الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات القلم الحر: فـــي مقــولـــة الاستثناء التونسي

نشر في  04 ماي 2016  (11:30)

بقلم: عفيف البوني


يردد السياسيون واﻹعلاميون التونسيون ودون أن يفعلوا ما يفيد،مقولة صارت معروفة، هي  اﻹستثناء التونسي على أساس أنه يعني حسب فهمي، حصول ثورة شعبية مدنية أو غير دموية ولغير مزاعم دينية، نجحت في إنهاء وإبدال رموز اﻹستبداد بآخرين وعدوا ولم يفوا بوعودهم وحيث تمت الثورة ، قياسا الى النتائج الكارثية للثورات اﻷخرى، بكلفة بشرية محدودة على أهمية عدم استرخاص كرامة أو حياة أي إنسان مهما كان لونه ودينه وفلسفته.
وقد تم تحييد تلك الثورات عن أهدافها وتحويلها الىحروب أهلية مدمرة ومستمرة باسم اﻹسلام أو من أجل  اﻹسلام عند المستفيدين أو المستثمرين في بيع صكوك غفران للعوام وغير المشهود بتطابقها مع مبادئ الخير وعدم اﻹضرار باﻵخر، حيث القاتل دائما مسلم والمقتول غالبا أو دائما مسلم وكل هذا القتل يتم باسم اﻹسلام، يفتي به داعية ويرفضه داعية آخر، وكل مسلم يصدقهما عليه أن يختار أن يكون قاتلا أو مقتوﻻ، شهيدا أو كافرا أو قابلا بأن يقع تكفيره، ومن غير المهم بعد ذلك أن  يقع اتهام اﻹمبريالية والصهيونية والكفار والمتآمرين من كل حدب وصوب، فالبسطاء واﻷميون والفقراء هم الكثرة وهم المعنيون بالجنة وهم المستهدفون من زعما ء تسييس اﻷديان في كل العصور.
ما سمي باﻹستثناء التونسي، قصد به نجاح قيام ثورة لم تنجزها اﻷحزاب وإن سرقتها اﻷحزاب، ثورة مدنية في زمن منعت العولمة فيها كل الثورات رغم أنوف أفراد كل الشعوب، ثورة مدنية في منطقة الثروات الطائلة التي قرر اﻷقوياء العلمانيون والمتطورون منع حدوث أي ثورة فيها، حتى يبقى العرب والمسلمون متخلفين بعيدا عن العلوم والثقافة والعصر، حيث تشجع قوى الهيمنة  باسم الحرية كل القوى المحلية الرافضة باسم الدين والهوية للعلمانية وللديمقراطية .

نجحت ثورة التونسيين على غرار ما حدث في غرب أوروبا في إسبانيا والبرتغال وما حصل في البرازيل واﻷرجنتين في أمريكا اللاتينية وما حصل في أوروبا الشرقية في تسعينات القرن 20، هكذا تخلصت تونس من نظام مستبد واستمرت الدولة واﻹدارة قائمتين في تونس واستمر الجيش في عدم التورط في لعبة المغامرين في السياسة ، استفاد من الثورة الذين يبيعون صكوك الخوف من الرب والدخول الى الجنة بمجرد تصديقهم والتحزب في حزبهم وإن حققوا ﻷتباعهم ما لم تحققه اﻷحزاب اليسارية والقومية والعلمانية واﻹجتماعية والليبرالية ﻻفتقارها للدعم المالي والسياسي الدولي واﻹقليمي.
واﻹستثناء التونسي يعني أيضا حضور وقوة ونشاط المجتمع المدني العريق منذ الثعالبي ومحمد علي الحامي والطاهر الحداد والشابي وقد لعب دورا أساسيا في قيام ومنع محاولة سرقة الثورة ثم في منع اﻹنحراف بها في ما ﻻ علاقة له بعالم العمل والعلم،
وقد جسدت نساء تونس الحرائر حقا واللاتي بفضل التعليم العمومي الموحد والعصري وأيضا القانون والقضاء ما بعد 1956، ما به تميزت تونس والتونسين رجاﻻوأزواجا وآباء وأشقاء،وجعل بلادنا جزيرة فريدة في محيط العرب واﻹسلام، النساء فيها لهن كرامة ولهن عقول تنظر للمستقبل، وبالمساواة بين الجنسين في الكرامة، نظرة جمالها أكثر جماﻻ  من أجسادهن الجميلة.. عيون التونسيات ترى أبعد وأدق وأوضح من عيون كل وأغلب كل المسلمات في هذا الزمن حتى أكثر وأبعد مما يراه بعض التونسيين.. ذلك ما أفهمه من أسباب حالة اﻹستثناء التونسي، ولكن اليوم ونحن في ماي 2016 لم تعد مقولة اﻹستثناء التونسي مقنعة للتونسيين فجرد حساب ما تحقق من أهداف الثورة ووعود السياسيين يبطل  عندهم ذلك اﻹعتقاد المروج له ، فما تحقق قليل جدا مما كان ممكنا تحقيقه فعليا أو في المتناول لو توفرت في السياسيين قدرات الزعامة وصدق اﻹرادة وحكمة الشيوخ غير الباحثين عن جزاء أو تقاعد رمزي مريح.